راكان قصة حقيقة لطالب كويتي الأسم فيها مستعار
بقلم: أ.خالد عيد العتيبي
@khalid4edu
راكان اسم مستعار لأحد الطلاب الذين أتى بهم باص النقل التأديبي لأحد المدارس التي عملت بها سابقاً وكنت حينها مكلف بالإشراف على أحد أجنحة المدرسة، راكان قصة لن أنسى زمانها ومكانها واحداثها، وأسماء أبطالها لا تهم بأهمية تفاصيلها.
في أحد الأيام وأثناء الدوام المدرسي وردني اتصال من قسم شؤون الطلبة في المدرسة “أبو عبدالله في طالب جديد بالمدرسة وطلب المدير أن يكون بأحد الفصول القريبة من غرفة الإشراف التي تتواجد بها” ليصدف أن هذا الفصل أقوم بتدريسه أيضاً سألت “ليش” فكانت الإجابة “الطالب منقول تأديبي لنا ونبي يكون صفة قريب منك!” شسم الطالب “راكان”.
رن الجرس المدرسي بدأت حصتي في ذلك الفصل دخلت فإذا بـ “راكان” يجلس في الكرسي الأخير يفوقني طولاً ووزناً … أزارير قميصه مفتوحة رأيت في عيونه انتظار الفرصة لينقض على الآخرين، انتهى الدرس مع صوت الجرس المزعج معلناً انتهاء وقت الحصة وابتداء حصة أخرى.
خرجت من الفصل وتوجهت للاختصاصي الاجتماعي وفتح ملفه المليء بالتعهدات والتقارير تبين من خلالها أنه نقل نقلاً تأديبيا لأكثر من ثلاث مدارس في المرحلة الابتدائية.
راكان كويتي من أم غير كويتية توفي والده وهو في الصف الثاني، له شقيقتان يصغرانه سنّا، ويعتبرون من محدودي الدخل، لتكون أحد محطات تنقلاته هي المدرسة التي أعمل بها بعد مشاجرات مستمره مع مدرسيه نقل على أثر ذلك لمدرستنا، مستواه التحصلي ليس مقبول.
عدت للفصل واستأذنت من المعلم الموجود وناديت “راكان” فكان رده “شتبي” قلت: “أبي سلامتك لكن بعد الحصة تعال الإشراف” فكان رده “زيييين” بصوت متضخم وكأنه يستعد للمواجهه.
سبقت راكان ووضعت القهوة والتمر على المكتب وانتظرت قدومه، دخل راكان وهو فارد ذراعيه بين شهيق وزفير منتفخة أوداجه مبادراً بكلمة “نعم” قلت: “استريح يا راكان أنت ضيف عندي ولازم تتقهوى” لتتغير ملامح وجهه ١٨٠ درجة ليقول مشكور أستاذ لا والله مشكور بطريقة تكشف عن مستوى حاجته للتقدير الذي لم يكن يتوقعها ويبدو أن تجاربه السابقة أفقدته الثقه بالمدرسة والمعلمين ومسؤوليها أيضاً.
تجاذبت أطراف الحديث مع راكان حول عدة مواضيع متنوعة، وبعض الطرائف وقبل أن ينصرف قلت “راكان”: أبي منك طلب قال: “آمر استاذ” قلت أبي تسكر أزارير قميصك عشان شكلك يكون أرتب وأبي ملابسك تكون نظيفة فكان رده “زين أستاذ” وانصرف.
قابلت مدير المدرسة وأخبرته أن الطالب بحاجة للتقدير ويرفض أن يعامل كطفل لا يتقبل الإساءه ولا يحتمل الإهانه، فهو في أسرته رجل المنزل والكبير! وعزز ذلك عنده ضخامة جسده، وكل ما يحتاجه المعاملة الأبوية التي تقدره وتعامله كرجل، لذلك نحتاج تعاون معلمي الأقسام ومد يد العون له يتجاوزون عن تقصيره أو حتى أسلوبه الفترة الحالية حتى تستقر نفسيته ويثق بمن حوله ويقدم له الدعم الكامل من خلال شروح الدروس ورفع المستوى التحصيلي لديه ولو تطلب الأمر حصص إضافية له.
أعطاني المدير الضوء الأخضر بعقد لقاء مع رؤساء أقسام المواد الأخرى وأبلغتهم بما يجب على معلمي الفصل تجاه هذا الطالب على وجه الخصوص وأهمية معاملته بمستواه العمري والعقلي لا معاملته بحسب ضخامة جسمه وتحميله ما لا يُحتمل وتعاون الجميع بعد معرفة ظروفه فعملنا كفريق واحد استمتع المعلمين به.
واستمر العمل مع راكان وتحمل المعلمين بعض تصرفاته وأسلوبه الفج معهم وذلك لعلمهم المسبق أنه لا يمكن أن يتعدل راكان بسرعة فمدو يد العون له وصادقوه ووجدوا منه تقبلاً واضحاً يتعاون معهم يحمل أغراضهم يسبقهم للمكتب يحرص على استقبالهم عند باب الفصل ليأخذ المساحة ليمسح السبورة، باختصار تصرفات أي طالب يريد أن يقول للجميع أنا إنسان طيب … الخ.
نعم كان يشتكي بعض الطلاب من راكان وكنا نسعى للصلح بينهم وفي أحيان يحضر أولياء أمور الطلاب كنت أنا من يستقبلهم وبشكل عام كان هناك تعاون منهم ودعم لما نقوم به عندما أخبرهم عن حالته وظروفه وما نقوم به من أجله فجزاهم الله كل خير.
وبعد مرور الشهر الأول كان هناك تغييراً إجابياً لاحظه معلمو الفصل في سلوك راكان مقارنة بما كُتب في التقارير الموجودة بملفه وبين ما عايشوه منه واستمر في تحسن نسبياً.
وخلال الفصل الدراسي الثاني أُبلغت بتكليفي ضمن وفد خارجي تسبب بعدم وجودي في المدرسة لما يقارب 20 يوماً وعند عودتي ودخولي الفصل استقبلني الطلاب استاذ “راكان فصلوه” فصلوه ليش شسوى “حذف كرسي على المدرس”، انزعجت كثيراً مما حصل.
ذهبت إلى الأخصائي سألته “شقصة راكان ليش فصلتوه” وجرى هذا الحوار واسمحوا لي على نقل بعض الألفاظ:
الأخصائي: حذف الكرسي على أستاذ …..
أنا: المدرس هذا مايدرسه أصلاً
الأخصائي: هو داخل عليهم احتياط
أنا: ليش حذف الكرسي
الاخصائي: حسب اللي عرفناه من الطلبة أن راكان وقف بالصف والمعلم قال اقعد بصوت مرتفع رد راكان زين استاذ لا ترفع صوتك رد المعلم أرفع صوتي وأربيك! رد راكان: مو أنت اللي تربيني. المدرس: أربيك وأربي أشكالك أنت حمار. راكان: تخسي ومعاها حذفة كرسي.
أُجري لراكان مجلس نظام ومع إصرار المعلم المعتدى عليه على نظام “يا أنا بالمدرسة يا راكان” تقرر نقل راكان نقلاً تأديبياً وانتصر هذا المعلم لنفسه لكنه لم يكن يعلم أنه لم يهدم راكان فقط بل هدم أم كانت ترى في راكان ما تراه كل أم بباكورة أبنائها.
بعد عدة أشهر وفي سنة دراسية جديدة كنت جالس في قسم اللغة العربية قال معلم اللغة العربية الذي كان يدرس راكان: أستاذ خالد تذكر راكان قلت أذكره ولا أعتقد راح أنساه قال: يوجد لدي تعبير لراكان لازلت أحتفظ به وكل ما أقراه يعورني قلبي قلت مدام يعور القلب لا تقول لي تفاصيله فأنا لا أحتمل.
انتقلت من المدرسه وذهبت لمدرسة أخرى وبعد سنه زرت مدرستي السابقة لأخذ أوراق تخصني عند سكرتارية المدرسة “إلا وحدة منهم تقول ابو عبدالله راكان اللي كان عندنا بالمدرسة تراه ساكن بنفس عمارتنا وتراه “انقطعت رجله” أفا شلون انقطعت … كان طالع مع ربعه وصار لهم حادث ومساكين كلهم صغار حتى محد منهم وياه ليسن! … الله يشفيه ويعينه على الكوارث .. الحين وين يدرس … لا ما يدرس بالبيت.
معلم العربي والسكرتيره أخبروني عنه لعلمهم أني كنت من المهتمين به … الآن راكان مقعداً أصبح بلا رِجل بسبب “معلم” لم يكن على دراية بنتائج تصرفه على المدى البعيد لا أعلم ماذا ينتظر راكان أيضاً؟ لكن سأبقى أذكر راكان.
لم أسرد قصة راكان للتسلية وخلق جو من الإثارة أو لكسب تعاطف معه بل لقناعتي التامة أن هناك الكثير من راكان تختلف أسمائهم وظروفهم وأعمارهم داخل أسوار مدارسنا لذا كان مهماً قبل أن تحتضنهم جدران المدارس أن تحتضنهم قلوبنا؟ لابد أن يعرف المعلم حالات طلابه وظروفهم فلا يعين نوائب الدهر عليهم.
إن سكك النقل الإجباري التي مر بها راكان ويمر بها غيره تفتح باب كبيراً من الأسئلة هل النقل التأديبي هو حل أم نقل المشكلة من مكان لآخر … هل هناك دراسات أجريت أثبتت أن النقل الإجباري من مكان لاخر يحل ويعالج المشاكل أو يزيد تفاقمها وهذا ما يجب أن يعيه المسؤولين.
رسالة لكل معلم ومعلمة:
عودوا بالذاكرة لسنوات عندما كنتم أطفالاً تنتظرون ابتسامة معلميكم ثنائهم شكرهم شفقتهم عطفهم رحمتهم تقديرهم لكم .. تذكروا عندما تهمسون لبعضكم أستاذ فلان طيب. تذكروا الكلمات التي تخفونها في صدوركم وغيضكم من ذلك المعلم الذي قال لكم يوماً كلمة لم يلقي لها بالا سببت بسخرية زملائكم منكم .. تذكروا ظلماً أوقعه عليكم لم تكونوا به مذنبين وقد قيل “ينسى اللاطم ولا ينسى الملطوم” تذكروا الحصص التي تستبشرون بقدوم معلمها وآخر تتمنون أن تبتلعه الأرض قبل دخوله عليكم وتفرحون بجرس انتهاء حصته وخروجه بسبب ما يمارسه من رهاب داخل حجرة الصف.
استمرار هذه المقولة “يوم كنا صغار ننطق ولا صار فينا شي” كدافع لاتباع نفس الأسلوب وتناقلها وممارستها مع من هم بعدنا يجب أن يوقف العمل بها فالشدة مع الطلاب لا تعني القسوة .. لا تعني تعقيد الحاجب .. لاتعني الصراخ والتهديد .. لا تعني البطش وتجاوز الحدود .. تذكروا أن الرفق لم يكن في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شأنه لذا ازرعوا أثراً طيباً في نفوس طلابكم.
المحبة والطيبة والعطف والين لا يعني التسيب وضعف الشخصية والمتأمل في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته يجده مع الأطفال أباً حنونا، ومربياً حكيما، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي.
وفي ختام ذلك لابد أن يكون هناك دور فاعل للاختصاصي الاجتماعي والنفسي وأن يُفرغوا لمهاهم الحقيقية بدلا من تكليفهم بأعباء لا تمت لعملهم بصلة.
بيض الله وجهك يابوعبدالله وبورك في جهودك قصة واقعية تمتلئ بها مدارسنا وسط غياب كبير لعنصر الاحتواء والنظرة الإصلاحية وحضور قوي لتفعيل عنصر العقاب الفوري دون تلمس وبحث لخفايا الامور ،، وهنا الدور عظيم على الجميع فكثير من الطلاب قد يتجه لمناحي اخرى او الى طريق الإجرام اذا لم يجد من يفهمه من يقومه من ينصحه من يأخذ بيده من ينقذه من يوعيه ويرشده .
لانريد ان نلغي العقاب او الفصل بل نريده آخر الداء
لانريد ذلك المسؤول المهمل الذي يدافع عن الطالب بالحق وبالباطل لاحل انتخابات او مصالح ويزيد كره المعلمين لطالب سئ فينتظروا منه الزلة
الموازنة مطلوبة
العقوبة مطلوبة ولكنها اخر الدواء والاحتواء وفهم جوانب الطالب أهم
وقبل أن نوقع العقوبة يجب أن نحرص على احتواء المشكلة وفهم شخصية المراهق والنظرة البعيدة المستقبلية لتصحيح مسار الخطأ
والسؤال يجرنا الى دور الاخصائين في المدارس والوزارة
ولعل هذه القصة تكون بداية توجه للوزارة بتسليط الضوء أكثر على مثل هذه القضايا المهمة
بارك الله بجهودك استاذنا فعلا مدارسنا تغص بهؤلاء الطلبه وللأسف بمعلمين امتهنوا التدريس ليس حبا بالمجال
???
بارك الله فيك أستاذ خالد وكم تحتاج مدارسنا من المعلمين المخلصين الذين يراعون أبنائهم الطلبة ويؤدون رسالتهم بأكمل وجه ويحتوون الطلبة ويكسبون ودهم واحترامهم ،، ويعاملونهم معاملة الأب أو الأخ أو الصديق وكم احزنتني قصة الطالب ( راكان ) وما عاناه ويستمر معه على طول حياته من عدم تفهم واحتواء صغائر الأمور من بعض المعلمين والإدارات المدرسية ،، وفعلاً هناك من راكان الكثير بمدارسنا ..
للاسف يوجد العديد من الحالات المشابهه لراكان في كل سنه نواجهها هناك من يستجيب مع من يحاول كثيرا وهناك ايضا من لاتطيب نفسه من المعلمين للعفو ولكن اذا كان لوجه الله ولو تخيل هذا الطالب ابنه لاصبح الامر اسهل بكثير ولكن عدة حالات للاسف تؤثر على الاخرين كضياع حصه تلو الاخرى على الزملاء في محاولة ادماج الطالب مع زملائه والحاقه بمستواهم
قصة مؤلمة وفعلاً يوجد كثير راكان في مدارسنا يجب احتوائهم شكراً لطرح القص المؤثرة
مؤلمة جداً الأحداث … كم راكان في مدارسنا … وكم نموذج رائع من الاساتذة الأفاضل كأستاذ خالد … تساؤل يطرح نفسه أين دور الإخصائي الإجتماعي والنفسي في مدارسنا … أين سياسة الإحتواء للحالات الخاصة ؟
مؤلمة جداً الأحداث … كم راكان في مدارسنا … وكم نموذج رائع من الاساتذة الأفاضل كأستاذ خالد … تساؤل يطرح نفسه أين دور الإخصائي الإجتماعي والنفسي في مدارسنا … أين سياسة الإحتواء للحالات الخاصة ؟