من المحبرة إلى المقبرة
” وقل ربي زدني علماً”
كنت اقرأ كتابا مفيدا شدني وأذهلني وشد من شغفي في طلب العلم، ولا أزال أكر عليه مرة تلو أخرى وأرجع البصر كرتين ومرتين ومثنى وثلاث ورباع وهو كتاب
” صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل ” للعلامة المرحوم عبد الفتاح ابو غدة، يتحدث فيه بالعجب العجاب ،عن همة وجلد الصحابة والتابعين وطلاب العلم على بذل الغالي والنفيس والنفوس في طلب العلم ، ليرينا كيف كنا في “السماء “عندما كنا نسعي ونجد ونحب طلب العلم وكيف نحن الآن “في السماد” مع طلابنا الذين لا يرغبون في العلم وحب التعلم والاجتهاد..
عندما محونا أية النهار وظللنا في الظلمات وفي أخر ركب الحضارة الإنسانية واستبدلنا الذي هو ادني بالذي هو خير..
استبدلنا حب الكتاب وطلب العلم بحب اللعب واللهو ومشاهد التلفاز والانترنت والبلايستيشن ووسائل التواصل الاجتماعية ، وما توالد منها، بل كل ما جاء جديد ركبنا هذا الجديد ، وعطر الله قبر أبي الطيب حينما قال :
كُلّمَا أنْبَتَ الزّمَانُ قَنَاةً رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا؟
بل تحولنا إلى كائنات تلفزيونية مشدودين مستقبلين لا نبدع ولا ننتج ولا نطور من أنفسنا ” ومن تساوى يوماه فهو خسران “كما قال ابن عباس.
تقول قصة من قصص هذا الكتاب : أن أبا أيوب الأنصاري سافر من الشام إلى مصر ليسمع حديث من عقبة بن عامر رضي الله عنهما بمصر لم يسمعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ولم يحل ركاب ناقته ،بل سمع الحديث ،وقفل راجعا إلى الشام..!!!
تخيلوا سفر لشهرين ولم يجلس ولم يمكث ولم يحلل ركابه كي يسمع حديث واحد فقط ويقفل راجعا من حيث جاء؟؟!!!
أي همة !!وأي رغبة !!وأي سبيل هذا الطلب في العلم ؟!!
يقول الشعبي: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن، فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره، رأيت أن سفره لا يضيع.وآية ذلك سفر سيدنا موسى لطلب العلم وبذل المشقة وتكبده النصب للتعلم من سيدنا الخضر
لم لا نغرس في طلابنا بذور حب العلم بوصفه لذة من أجمل اللذات على الإطلاق، لذة تحركها الضمائر لا المصالح والغايات والشهوات،لذة مفطور عليها غالبية الناس
نحب العلم من اجل العلم.لا من اجل شهادة ولقمة عيش،مع إنها مباحة وحق مشروع.
هل تتخيلون أن غالبية العلماء لم يحملوا شهادات بل حبوا المعرفة وحبوا التطور وحبوا ما يعملون من أجله ..وهذا الرغبة- طلب العلم من اجل حب التعلم – من أساسيات منهج الكفايات القائم على النقاط لا الدرجات .من أجل تحسين وترغيب حب التعلم لدى المتعلمين والمتعلمات.
وهذا المطلب – طلب العلم- هو شي أساسي حث عليه الشرع وديننا الحنيف وجعله فريضة ” طلب العلم فريضة على كل مسلم “كما قال المصطفى عليه السلام، بل أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) ” آل عمران” الآية 18 ” ”
فهل قال: ” أولو المال أولوا اللعب واللهو!! لا بل قال ” وأولو العلم قائماً بالقسط ” فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله عز وجل .
يقول مخيائيل نعيمة ” لن نتطور حتى تصبح المكتبة شيء ضروريا في كل بيت مثلها مثل الكرسي والسرير والطباخ. ونحب العلم والتعلم كما نحب أن نأكل ونشرب.
وبالختام طلب العلم لا ينتهي بنيل شهادة وانتهاء مسيرة بل هي كما قيل “من المحبرة إلى المقبرة”وقال عز من قال :” وقل ربي زدني علماً”
الموجه الفني للدراسات الفلسفية أ/ باسل الزير