بعد أيام قليلة يقرع جرس اليوم الأول من العام الدراسي الجديد معلناً فتح أبوابه لاستقبال ابناؤنا الأعزاء .
نسأل الله العلي القدير أن يكون عام خير وبركة للجميع ، يمنحنا به الإرادة القوية ، ويفتح على معلمينا وتلاميذنا مغاليق العلم والمعرفة ، ويختم لنا ولهم بالفرح والسرور والنجاح .
تحكي إحدى الأمهات قصة ولدها الصغير عندما عاد يوماً من المدرسة فرحاً يبشرها بقوله: أمي .. لقد أجبت إجابة خاطئة اليوم ، استغربت الأم سعادته فسألته : وماذا حدث بعد ذلك ؟ قال: نظر لي الأستاذ وابتسم قائلاً: لقد ذكرتني بنفسي عندما كنت فى مثل عمرك ..أخطأت نفس الخطأ .. انتهت الحكاية
كم هى قلوب مرهفة تلك التى نتعامل معها فى مدارسنا؟ .. وكم هى رائعة تلك العقول التى تعرف كيف تتعامل مع تلك القلوب ؟
إن حب التلميذ للدراسة والمدرسة فن إن أجاده معلم فقد أخفق به آخر ، وهى مواهب وزعها الخالق عز وجل بين البشر ، إن التلميذ يتعامل مع عقول مختلفة وثقافات متنوعة قبل أن يتعامل مع كلمات وصور ، لذلك فالحذر الحذر أن تسبب لهذا التلميذ كرهاً يتملكه طوال عمره .
إن ذلك التلميذ لا يتعامل مع وجوه وعقول مختلفة بل أيضاً مع متغيرات عدة فالبيئة المدرسية والتى عادة تفتقد للجاذبية وطريقة التدريس والتى أما قديمة غطاها الغبار أو جديدة لا تناسب الأعمار ، فضلاً على أنها قطعت أي تواصل بين المتعلم ومعلمه ، كل هذا زرع كراهية المدرسة والدراسة عند الكثير من تلاميذنا .
ما الذي يجعل الطفل ذو الأعوام العشرة ، أقل أو أكثر ، يتفوق فى أي جهاز إلكترونى ، ويبدع فى مراحل لعبة معينة ، رغم صعوبة مراحلها ، بينما يخفق فى مادة دراسية معينة غير متعمقة المفاهيم حيث تعطيه فقط أساسياتها ؟ ورغم ذلك يخفق بها .
تعب الباحثون فى تقصىي هذا الموضوع والإجابة على هذا السؤال الذى أن أستطعنا حله فقد كسرنا حاجز هذا الكره؟
لقد وجدوا أن هناك عدة أمور يجب الانتباه لها وقد لفت انتباهي منها أمر التكرار الذى وجدوا أنه يعزز الملل لدى التلاميذ ، صحيح أنه جيد للحفظ ولكنه يقتل الدافعية لديهم لذلك ينصح بضرورة تجديد المواضيع والأنشطة الذهنية دائماً ، إن الذى يحبب ذلك التلميذ بلعبة إلكترونية هو طابعها التشويقي حيث تكسر الملل باختلاف مراحل اللعبة وأدواتها وأسلحتها بل أن بعض الألعاب تكافأه على تقدمه بمزيد من النقاط والطاقة ليقوم بالمرحلة التى تليها ، أين نجد ذلك فى تعليمنا ؟ الطالب المجد والضعيف يعاملون معاملة واحدة ، بل أن البعض يركز على الضعيف ويهمل الذكي المجد بحجة أن ذلك المجد يشيل عمره.
بل وصل الأمر بالبعض أن يحرص على مستوى المدرسة عند الوزارة دون الاهتمام بمستوى التلاميذ ، لذلك يتحاشون وجود متعثرين لديهم ، لان ذلك يجلب لهم فضلاً عن التقدير السيئ مهام جديدة هم فى غنى عنها .
نحن نعلم بأن الكثير من الناس بطبيعتهم يتحاشون أي مشكلة تحتاج مجهود ذهني كبير ، لذلك فهم يلجأون للحل الذى لا يحتاج الى جهد ، وكذلك التلميذ، إن وجد صعوبة فى منهجاً ما بحيث يراه فوق مستواه ، أو لم يتمكن من استيعابه لأي سبب كان ، تجده يتجنب الاندماج فى هذا المنهج وبالتالي حتماً سيخفق بتلك المادة ، بل ستبقى عقدة لديه سنوات عديدة .
الحل أراه فى تقليل المواد الدراسية فى المرحلة الإبتدائية خاصة فى الصفوف الثلاث الأولى ، وبالتالى تقليل ساعات الدراسة ، والبعد عن الروتين اليومي بالإكثار من المهام كالواجبات والحفظ والمشاريع وأوراق العمل وغيرها ، كذلك يجب تنويع طرق التدريس وأساليب الأنشطة بحيث تعتمد على تنمية التفكير وحل المشكلات ، مع ترك مجال للمتعلم يتنفس بعيداً عن أجواء الكتب والدراسة ولتكن ساعة حرة ضمن الجدول ، تكون تواصل بين المعلم وطلابه ، بحيث يترك للطالب حرية الذهاب للمعلم الذي يحب الاستماع إليه وتكون ساعة لمناقشة أسئلة الطلاب خارج المنهج أو مشكلات تعترض التلاميذ أو أشياء يحب الطلاب السؤال عنها من حياتهم أو أن يذهب التلميذ للمكتبة للقراءة ويفضل أن تكون يوم الخميس بعد عناء أسبوع دراسي ، كل ذلك بعيداً عن الفرص التى يجب أن لا تتجاوز نصف ساعة ولماذا لا تفعل المجالس الطلابية؟ بحيث من كل صف طالب يختاره طلاب الصف نيابة عنهم ويتغير شهرياً ، يجتمع أسبوعيا مع إدارة المدرسة ومناقشة مشكلات المدرسة وإشراكهم بالحلول ، لماذا لا يتم منح الفائقين من الطلبة تذاكر دخول مدن ترفيهية أو مسرحيات أو أندية رياضية بدلاً من ألعاب إستهلاكية لا تهم الطالب ولا تحفزه .
أخيراً أقول اجعلوا مدارسنا بيئات جاذبة ، انفقوا بسخاء على التعليم وتابعوا الإنجازات وحاسبوا ، فكل شيء قابل للغش والرشوة إلا التعليم ، أرجوكم لا تفسدوه ولا تتخلوا عنه ، لا تتشددوا ، فيأتى يوماً لا نرى إلا بقايا أجساد بلا عقول .
البناء صعب ويحتاج بذل وصبر ، والهدم أسهل مما تتصورون
أبناؤنا وبناتنا أمانة فى أعناق الجميع ، والعمل الآن هو زرع محبة المدرسة فى قلوبهم قبل أن نزرع العلم فى عقولهم ، ورسالتى لمؤسسات المجتمع : لا تقلعون مانزرع بل اسقوه لينمو ويكبر ، وأشد على أيدي أخواتي مديرات ومعلمات البنات فالمسئولية عليكن أكبر والأمل بكن أعظم ، فالبنت نصف المجتمع وتربي النصف الآخر ، فتقربن لله عز وجل بتلك الأفئدة ، بأيدكن تُبنى الأسر الصالحة وبأيديكن تُهدم ، أصلحن ما هدمه أعداؤنا فى نفوس بناتنا ، وثبتن ماهو أصيل نافع لهن فى دينهن ودنياهن .
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا ويوفقكم لما يحبه ويرضاه وأن يخرج من مدارسنا دعاة صالحون وعلماء متبصرون نافعين لأنفسهم ووالديهم ومجتمعهم ، اللهم آمين .
شاهد أيضاً
معلم نت | مقالات | اليوم العالمي للمعلم بقلم: أ.حمد السهلي
المعلم تلك الشمس التى أضاءت دروب الحياة لنا، كان قدوة ويبقى قدوة وإن جار عليه …