💡 التمركز حول الذات
بقلم: أ.خالد عيد العتيبي
@khalid4edu
التمركز حول الذات من السمات المعرفية والنفسية التي تناولها علماء النفس والمهتمين والتي تظهر في مرحلة الطفولة والمراهقة وبداية البلوغ ووجودها في هذه المراحل لها ما يبرر وجودها، لكن إذا استمرت في المراحل العمرية اللاحقة فهذا يعني أن أصحابها لم ينمو نفسيًا ومعرفيًا ومجتمعيًا بشكل سليم، وأنه كم أصبحوا أسراً مقيدين بسلاسل التمركز حول الذات؛ لذلك لايستطيعون الخروج من دائرتهم الضيقة ولا أفكارهم الخاصة، مما يجعلهم سجينين لمعارفهم السطحية وخرافاتهم الشخصية وأسيرين لجمهوره التخيلي.
ومما سبق نلاحظ ذلك جلياً في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد خلقت جمهورًا متخيلًا كبيرًا، ونشّطت شهوة الكثيرين للكتابة، وتيسر لهم إبداء الرأي في القضايا المختلفة بدون امتلاك المعرفة اللازمة وأدوات التحليل والنقد والمنطق، مع اعتقادهم أن وجهات نظرهم وأحكامهم حقائق مطلقة لا تقبل الشك ولا حتى المناقشة. فهي أحد أهم أسباب التناحر الدائم في تغريدات تويتر ومساحاتها والكلوب هاوس وغيرها من وسائل التواصل ويسبقها المنتديات في سنوات سابقة.
فالملاحظ لم يعد الفضاءً للحوار وتبادل وجهات النظر والتفاعل بين مستخدميها من أجل زيادة الخبرة والمعرفة، وإثرائها ، بل ميدانًا للصراع وتبادل الاتهامات والسباب بين العديد من الذوات المتمركزة حول ذواتها، والمنفصلة عن الواقع وعادات المجتمع وقيمها وأخلاقيتها.
فلا يستغرب من هذا الشخصية مهما كانت مؤهلاتها الشخصية أو مسمياتها الوظيفية إطلاق الألفاظ والعبارات والأوصاف التي لا تليق لكل من يخالفهم الرأي والفكر، ويبني على أوهامه حقائق يؤمن بها وبموجبها يتعامل مع الآخرين، ومن علم بحالتهم ونمطهم السلوكي وسماتهم يترفع عن مجاراتهم والدخول في نقاشات معهم لا نهايات لها ولا جدوى منها.
ومن هنا تتضح جلياً أهمية التنشئة الأسرية والدور الأساسي والمهم للمؤسسات التعليمية في تعديل السلوك وتعزيز القيم النبيلة، ومنها دور المعلم داخل الغرف الصفية وما يحدث فيها من نقاشات تؤسس لقبول الرأي الآخر وتفهمه أو حتى رفضه بطريقة لا تخرج عن دائرة الاحترام المتبادل .. وانعدام ذلك قد يؤسس لشخصية نرجسية سيكوباتية تسعى للانتصار في كل حوار ونقاش لو كان على حساب الأخلاق والقيم والأعراف تمتد للرغبة في الانتقام وإيذاء الطرف الآخر.